كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



حدثنا الفراء قال وحدثني شيخ عن الأعمش قال: كنتُ أسمعهم يقرءون: {عُرْبًا أترابًا} بالتخفيف، وهو مثل قولك: الرسْل والكتب في لغة تميم وبكر بالتخفيف ولتثقيل وجه القراءة، لأن كلّ فعول أو فعيل أو فِعال جمع على هذا المثال، فهو مثقّل مذكرًا كان أو مؤنثًا، والقراء على ذلك.
{لًاصْحَابِ الْيَمِينِ}.
وقوله: {لًاصْحَابِ الْيَمِينِ}.
أي: هذا لأصحاب اليمين.
{ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ}.
وقوله ها هنا: {ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ}.
وقد قال في أول السورة: {ثُلَّةٌ مِن الأوَّلين وقليلٌ مِن الآخِرين}:
وذكروا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكوا وشق عليهم.
قوله: {وقليل من الآخرين}، فأنزل الله جل وعز هذه {ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ}. ورفعها على الاستئناف، وإن شئت جعلتها مرفوعة، تقول: ولأصحاب اليمين ثلتان: ثلة من هؤلاء، وثلة من هؤلاء، والمعنى: هم فرقتان: فرقة من هؤلاء، وفرقة من هؤلاء.
{وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ}، وقوله: {وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ}.
واليحموم: الدخان الأسود.
{لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ}.
وقوله: {لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ}.
وجه الكلام أن يكون خفضًا متبعًا لما قبله،
ومثله: {زَيْتُونَةٍ لا شرقيةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ}. وكذلك: {وفاكهةٍ كثيرةٍ لا مقطُوعةٍ ولا ممنوعةٍ}، ولو رفعت ما بعد لكان صوابا من كلام العرب، أنشدني بعضهم:
وتُريكَ وجهًا كالصحيفةِ لا ** ظمآنُ مختلجٌ ولا جَهْمُ

كعقيلةِ الدُّرِّ استضاءَ بها ** محراب عرْش عزيزها العُجْمُ

وقال آخر:
ولقد أبِيت من الفتاة بمنزلٍ ** فأبيت لا زانٍ ولا محروم

يستأنفون بلا، فإذا ألقوها لم يكن إلاّ أن تتبع أول الكلام بآخره، والعرب تجعل الكريم تابعًا لكل شيء نفت عنه فعلا تنوى به الذم، يقال: أسمينٌ هذا؟ فتقول: ما هو بسمين ولا كريم، وما هذه الدار بواسعة ولا كريمة.
{إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ}.
وقوله: {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ}.
متنعمين في الدنيا.
{وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ}.
وقوله: {وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ}.
الشرك: هو الحنث العظيم.
{لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ}.
وقوله: {لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ}.
وهى في قراءة عبد الله: {الآكلون من شجرة من زقوم}، فمعنى شجر وشجرة وَاحد، لأنك إذا قلت: أخذت من الشاء، فإن نويت واحدة أو أكثر من ذلك فهو جائز.
{فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ}.
ثم قال: {فَمَالِئُونَ مِنْهَا}.
من الشجرة، ولو قال: فمالئون منه إذ لم يذكر الشجرة كان صوابًا يذهب إلى الشجر في منه، وتؤنث الشجر، فيكون منها كناية عن الشجر، والشجر تؤنث ويذكر مثل الثمر.
{فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ}.
وقوله: {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ}.
إن شئت كان على الشجر، وإن شئت فعلى الأكل.
{فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ}.
وقوله: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ}.
حدثنا الفراء قال: حدثني الكسائي عن رجل من بنى أميه يقال له: يحيى بن سعيد الأموي قال: سمعت ابن جريج يقرأ: {فشاربونَ شَرْب الهيم} بالفتح، قال: فذكرت ذلك لجعفر ابن محمد قال: فقال: أو ليست كذاك؟ أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه بعث بُدَيل ابن ورقاء الخزاعي إلى أهل منى، فقال: إنها أيامُ أَكْلٍ وَشَرْب وبِعالٍ.
قال الفراء: البِعال: النكاح، وَسائر القراء يرفعون الشين: {فشاربونَ شُرْب الهِيم}.
و{الهيم}: الإبل التي يصيبها داء فلا تَروَى من الماء، واحدها: أهيم، والأنثى: هيماء.
ومن العرب من يقول: هائم، وَالأنثى هائمة، ثم يجمعونه على هيم، كما قالوا: عائط وعيط، وَحائل وحُول، وهو في المعنى: حائل حُوْل إِلا أن الضمة تركت في هيم لئلا تصير الياء واوا. وَيقال: إن الهيم الرمل. يقول: يشرب أهل النار كما تشربُ السِّهْلة قال قال الفراء: الرملة بعينها السهلة، وهى سهلة وَسهلة.
{أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ}.
وقوله: {أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونََ}.
يعنى: النُّطَف إذا قدفت في أرحام النساء.
{أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ}.
وقوله: {أأنتُمْ تَخْلُقُونَهُ}.
تخلقون تلك النطف أم نحن الخالقون. وقد يقال للرجل: مَنى وأمنى، ومَذى وأمذى، فأمنى أكثى من منى، ومذى أكثر من أمذى.
{أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}.
وقوله: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ} أي: تنبتونه.
{لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ}.
وقوله: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ}.
تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم، ويقال: معنى تفكهون: تندمون.
{إِنَّا لَمُغْرَمُونَ}.
وقوله: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ}.
يقال: إنا لمعذَّبون، ويقال: إنا لمُولَع بنا وهو من قبلهم.
{لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ}.
وقوله: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا}.
وهو الملح المر الشديد المرارة من الماء.
{نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ}.
وقوله: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ}.
يعنى منفعة للمسافرين إذا نزلوا بالأرض الِقىِّ يعنى: القفر.
{فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}.
وقوله: {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}.
حدثنا الفراء قال: وحدثني أبو ليلى السجستاني عن أبى جرير قاضى سجستان قال: قرأ عبد الله بن مسعود: {فلا أُقْسِمَ بموقعِ النُّجومِ} والقراء جميعًا على: مواقع.
حدثنا الفراء قال: حدثني الفضيل بن عياض عن منصور عن المنهال بن عمرو رفعه إلى عبد الله فيما أعلم شك الفراء قال: فلا أقسم بموقع النجوم، قال: بمحكم القرآن، وكان ينزل على النبي صلى الله عليه نجوما.
{وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}.
وقوله: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} يدل على أنه القرآن.
ويقال: فلا أقسم بموقع النجوم، بمسقط النجوم إذا سقطن.
{لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ}.
وقوله: {لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ}.
حدثنا الفراء قال: حدثني حِبَّان عن الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس قال: لا يمسّ ذلك اللوحَ المحفوظ إلا المطهرون يقول: الملائكة الذين طهروا من الشرك. ويقال: لا يمسه: لا يجد طعمه ونفعه إلا المطهرون من آمن به.
{أَفَبِهَاذَا الْحَديث أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ}.
وقوله: {أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ} مكذبون وكافرون، كلّ قد سمعته.
{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}.
وقوله: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}.
جاء في الأثر: تجعلون رزقكم: شكركم، وهو في العربية حسن أن تقول: جعلت زيارتى إياك أنك استخففت بى، فيكون المعنى: جعلت ثواب الزيارة- الجفاء. كذلك جعلتم شكر الرزق- التكذيب.
{فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ}.
وقوله: {فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} يعنى: النَّفْس عند الموت.
{وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ}.
وقوله: {وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} يعنى: أهل الميت عنده.
ينظرون إليه. والعرب تخاطب القوم بالفعل كأنهم أصحابه، وإنما يراد به بعضهم: غائبًا كان أو شاهدًا، فهذا من ذلك كقولك للقوم: أنت قتلتم فلانًا، وإنما قتله الواحد الغائب. ألا ترى أنك قد تقول لأهل المسجد لو آذوا رجلا بالازدحام: اتقوا الله، فإنكم تؤذون المسلمين، فيكون صوابا. وإنما تعظ غير الفاعل في كثير من الكلام، ويقال: أين جواب (فلولا) الأولى، وجواب التي بعدها؟ والجواب في ذلك: أنهما أجيبا بجواب واحد وهو ترجعونها، وربما أعادتِ العرب الحرفين ومعناهما واحد. فهذا من ذلك، ومنه: {فَإِمَّا يَأْتِيَنّكُمْ مِنِّى هُدًى فَمن تَبِعَ هُدايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِم}. أجيبا بجواب واحد وهما جزاءان، ومن ذلك قوله: {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَّيُحِبُّون أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُم}.
وقوله: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إذا مِتُّم وكُنتُم تُرابًا وعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُون} وقد فسِّر في غير هذا الموضوع.
{فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ}.
وقوله: {غَيْرَ مَدِينِينَ} مملوكين، وسمعت: مجزبين.
{فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ}.
وقوله: {فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} من أهل جنة عدن.
{فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ}.
{فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ}.
حدثنا الفراء قال: وحدثني شيخ عن حماد بن سلمة عن عبد الله بن شقيق عن عائشة عن النبي صلى الله عليه أنه قال: {فَروح وريحان} وقراءة الحسن كذلك، والأعمش وعاصم والسُّلَمى وأهل المدينة وسائر القراء {فرَوحٌ}، أي: فروح في القبر، ومن قرأ {فرُوحٌ} يقول: حياة لا موت فيها، {وريحان}: رزق.
{فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ}.
وقوله: {فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ}.
أي: فذلك مسلّم لك أنك من أصحاب اليمين، وألقيت أَن وهو معناها كما تقول: أنت مصدّق مسافر عن قليل إذا كان قد قال: إني مسافر عن قليل.
وكذلك تجد معناه: أنت مصدق أنك مسافر، ومعناه: فسلام لك أنت من أصحاب اليمين. وقد يكون كالدعاء له، كقولك: فسقيا لك من الرجال، وإن رفعت السلامَ فهو دعاء. والله أعلم بصوابه. اهـ.